responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 164
الْمِقْدَارِ، لِأَنَّ السَّقْفَ وَالْبُنْيَانَ، فِيمَا يُعْهَدُ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَسَاسٍ وَعَمَدٍ مُسْتَقِرٍّ عَلَى الْأَرْضِ، فَبَدَأَ بِذِكْرِهَا، إِذْ عَلَى مَتْنِهَا يُوضَعُ الْأَسَاسُ وَتَسْتَقِرُّ الْقَوَاعِدُ، إِذْ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ السَّقْفِ أَوَّلًا قَبْلَ ذِكْرِ الْأَرْضِ الَّتِي تَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا قَوَاعِدُهُ، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ خَلْقَهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ وَمَهَّدَ رَوَاسِيهَا قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ. قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ [1] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي بِذِكْرِ الْأَدْنَى إِلَى ذِكْرِ الْأَعْلَى.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ مِنْ بَدَائِعِ الصَّنْعَةِ، وَدَقَائِقِ الْحِكْمَةِ، وَظُهُورِ الْبَرَاهِينِ، مَا اقْتَضَى تَعَالَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ، الْمُتَكَفِّلُ لِلْعِبَادِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ، الَّتِي لَا تَخْلُقُ وَلَا تَرْزُقُ وَلَا لَهَا نَفْعٌ وَلَا ضَرٌّ، أَلَا لِلَّهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْإِشَارَاتِ: لَمَّا امْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ خَلَقَهُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا يُرْشِدُهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ خَلْقِهِمْ، وَأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُتَوَالِدِينَ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، مَخْلُوقِينَ مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى، هُوَ تَعَالَى خَالِقُهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمُصَوِّرُهُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَمُخْرِجُهُمْ طِفْلًا، وَمُرَبِّيهِمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ غِذَاءٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَدْعُو حَاجَتَهُمْ إِلَيْهَا فَجَعَلَ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ فِرَاشٌ مِثْلَ الْأُمِّ الَّتِي يَفْتَرِشُهَا الزَّوْجُ، وَهِيَ أَيْضًا تُسَمَّى فِرَاشًا، وَشَبَّهَ السَّمَاءَ الَّتِي عَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ بِالْأَبِ الَّذِي يَعْلُو عَلَى الْأُمِّ وَيَغْشَاهَا، وَضَرَبَ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنَ السَّمَاءِ مَثَلًا لِلنُّطْفَةِ الَّتِي تَنْزِلُ مَنْ صُلْبِ الْأَبِ، وَضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الثَّمَرَاتِ بِالْوَلَدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الْأُمِّ، يُؤْنِسُ تَعَالَى بِذَلِكَ عُقُولَهُمْ وَيُرْشِدُهَا إِلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ التَّخْلِيقِ، وَيُعَرِّفُهَا أَنَّهُ الْخَالِقُ لِهَذَا الْوَلَدِ وَالْمُخْرِجُ لَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، كَمَا أَنَّهُ الْخَالِقُ لِلثَّمَرَاتِ وَمُخْرِجُهَا مِنْ بُطُونِ أَشْجَارِهَا، وَمُخْرِجُ أَشْجَارِهَا مِنْ بَطْنِ الْأَرْضِ، فَإِذَا أَوْضَحَ ذَلِكَ لَهُمْ أَفْرَدُوهُ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَخَصُّوهُ بِالْعِبَادَةِ، وَحَصَلَتْ لَهُمُ الْهِدَايَةُ. قَوْلُهُ تعالى:

[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)
إِنْ: حَرْفٌ ثُنَائِيُّ الْوَضْعِ يَكُونُ شَرْطًا، وَهُوَ أَصْلُ أَدَوَاتِهِ، وَحَرْفُ نَفْيٍ، وَفِي إِعْمَالِهِ إِعْمَالَ مَا الْحِجَازِيَّةِ خِلَافٌ، وَزَائِدًا مُطَّرِدًا بَعْدَ مَا النَّافِيَةِ، وَقَبْلَ مُدَّةِ الْإِنْكَارِ، وَلَا تَكُونُ

[1] سورة فصلت: 41/ 9. [.....]
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست